العظات في قداس الدفن وعند المقبرة

في ذكرى الأب سلافكو بارباريك، رهبنة الإخوة الأصاغر

مقدّمة من الأسقف المونسينيور راتكو بيريك وعظة أسقف الأبرشيّة الفرانسيسكانيّة الأب توميسلاف بيرفان، رهبنة الإخوة الأصاغر في قداس الدفن


مقدّمة المونسينيور راتكو بيريك، أسقف موستار-دوفنو وتريبينييه-مركنج في قداس الدفن في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2000 في عيد المسيح الملك

باسم الآب، والابن، والروح القدس. آمين. سلام لكم!

حشرة أسقف الأبرشيّة الأب توميسلاف، حضرة الراعي الأب أيفان، والكهنة المحتفلين معي بالقداس، أخواتي إخوتي،

نحن نقدّم هذا القداس الإلهي عن راحة نفس المرحوم الأب سلافكو بارباريك، عضو الأبرشيّة الفرانسيسكانية في الهرسك، الذي أعبّر له من باطن قلبي عن تعاطفي الانسانيّ والمسيحيّ، بالإضافة إلى جميع أعضاء الأسرة التي يأتي منها.

أمام الموت البشريّ، موتنا أو موت أحبّائنا، يقف كلّ واحد منّا مع قلب يرتجف، وعقل مصاب بحيرة، وعين حزينة، ولكن يحقّ لله أن يدعو من هذا العالم إلى نفسه، إلى البيت الأبديّ، من يشاء ومتى يشاء، ومن أيّ مكان، وبالطريقة التي يريدها. وهو لا يستشير أحدًا منّا حول موتنا، ولا يحرّر أحدًا من الموت. هو خالق جسدنا وروحنا، السيّد المطلق على الزمن والأبديّة، وعلى هذه الأماكن الماديّة والمجالات الروحيّة، ولهذا سنقف أمام الله بتواضع وإيمان.

أمام دعوة الله، تصمت جميع التعليقات والقصص البشريّة. ولا يبقى سوى الجواب الذي سيعطيه الشخص المدعو وشفاعتنا البشريّة من خلال ذبيحة يسوع أمام الأب الرحوم في السماء. ليستقبل المسيح الملك، الذي نحتفل بعيده اليوم ونقدّم هذا القدّاس الإلهي له، نفس الكاهن المتوفّين الأب سلافكو، وليكافئه على أعماله الصالحة ويسامحه على كلّ ما لم يتمكّن من القيام به. لنتب أيضًا على عجزنا عن صنع الخير وعلى جميع الأفكار، والكلمات والأعمال السيّئة التي لا تتوافق مع شريعة الله.


عظة الأب توميسلاف بيرفان، رهبنة الإخوة الأصاغر
أسقف أبرشيّة الفرانسيسكان في الهرسك
في قداس الدفن، 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2000

“OSTENDE MIHI, DOMINE, VIAS TUAS ET SEMITAS TUAS EDOCE ME”
" أرني يا الله طرقك. درّبني في سبلك."

حضرة الأسقف، حضرة الإخوة والكهنة الفرانسيسكان، حضرة الأمّ لوتشيا، إخوة وأخوات المرحوم الأب سلافكو، حضرة الأقارب والأصدقاء، حضرة المؤمنين، حضرة الحجّاج وحضرة الأب سلافكو!
عندما اتّصلوا بي يوم أمس من مكتب الرعيّة في ميديوغوريه ليسألوني أيّ قراءات وصلوات للمؤمنين سآخذها إلى قداس الدفن، قلت ببساطة: لتكن جميع القراءات من عيد المسيح الملك من السنة أ، ولتكن صلوات المؤمنين من كتاب أدعية العيد مع تطبيقها على المتوفّي. أظنّ أنّكم كنتم ستوافقون على ذلك لو سألكم أحد أيّ قراءات ستأخذون لأنّ القراءة الأولى من النبي حزقيال تتحدّث عن الراعين، والثانية من رسالة كورنثوس الأولى تتحدّث عن الانتصار الأخير للمسيح على الموت لكي يتغيّر كلّ شيء في النهاية لكي يكون الله الكلّ بالكلّ، وتتحدّث رسالة الإنجيل عن الانفصال الأخير أمام عرش الدينونة الخاصّ بالربّ حيث سيفصل الربّ بنفسه البشر إلى معسكرين بحسب موقفهم حيال الصغار، وحيال الأصاغر، وحيال أولئك الذين لا يحسّ أو يفكّر بهم أحد.

في هذا المكان، أرغب أولاً بالتعبير عن شكري وامتنناني الكبير باسم أبرشيّتي وباسمي عن كلمات التعبير عن التعاطف، والبرقيّات، والرسالات الالكترونيّة والاتصالات الهاتفيّة التي لا تعد ولا تُحصى، وأيضًا على وجودكم هنا في مناسبة عذا الموت غير المتوقّع. إن كانت الافخارستيا الأصليّة عمل شكر، ذبيحة وتقدمة شكر، إنّ دعائي وصلاتي لكم جميعًا هي إذًا أن تكون هذه الافخارستيا أيضًا شكرًا على هذه الحياة، التي كانت بشريّة، ومسيحيّة، وفرانسيسكانيّة، ودينيّة، وكهنوتيّة. حياة كانت في كلّ شيء تضحية عظيمة، وتسليمًا عظيمًا، وقلب كبيرًا لكلّ البشر. لذلك فنحن نشكر في الوقت نفسه على وجود الأب سلافكو بيننا، على أنّه أزهر هنا في الهرسك، وبمثابة بشير لا يكلّ، كان بحسب رغبة فرنسيس، رجل تقوى وصلاة، أوراسيونس و ديفوسيونس، وأكمل مسار حياته الأرضيّة هناك في المكان الذي كان يذهب إليه في فرح شديد: على جبل الصليب.

إن أردت شخصيًا أن أسلّط الضوء على حياته بتفكير كتابيّ، إذًا فسأستعمل بمثابة موضوع توجيهيّ حول حياة الأب سلافكو صلاة كاتب المزمور التي اقتبستها أعلاه. وكانت تلك الرغبة في حياة الأب سلافكو: صلاة إلى الربّ ليره طرقه، لكي يسير في دروبه، دروب الإنجيل وطريق الارتداد والتربية الدينيّة. أن يكون دائمًا في مدرسة الرب والسيدة العذراء، في طرق الرب وخطواته كلّ يوم بحثًا عن درس جديد.

بالنسبة إلينا جميعًا، تشكّل هذه الوفاة صدمة غير متوقّعة. فموته جاء قبل أوانه، كما قد يقول كاتب المزمور، في منتصف عمري، في أوجّ القوّة البشريّة. إن كان بالنسبة إلى كاتب المزمور أنّ عد أيّامنا هو سبعون سنة، وثمانون في حال كنّا أقوياء، إذًا فإنّ السنوات الخمس والخمسين الخاصّة بالأب سلافكو غير كافية بالمقارنة مع العمر الذي يُتوقّع أن يعيشه الانسان على هذه الأرض في أيّامنا هذه. ومع ذلك، في هذه الحالة، يمكنني القول بحريّة وبثقة كاملة ومن تجربتي الخاصّة ولكن أيضًا مع موافقتكم، أنّنا نجد أمامنا حياةً، من الناحية البشريّة، ولكن ثلاثة امتدادات للحياة. ليس اثنين، بل ثلاثة، لأنّ هذه الحياة لم تعرف تعبًا، ولا توقّف، ولا راحة. لم يتوجّه يومًا إلى النوم قبل منتصف الليل، ولم يرَ يومًا الشمس تشرق من غرفته. وكما يقول كاتب المزمور، لطالما صلّى: استيقظي يا نفسي!

استيقظي يا قَياثير ويا أعواد! ولنوقظ الفجر. وبالحقّ كان يوقظ الفجر بصلاته وبحجّه كلّ يوم إلى تلّة الظهور أو إلى جبل الصليب. يومًا بعد يوم، وسنةً بعد سنة، في جميع حالات الطقس، كان يستيقط قبل الجميع ويخرج للصلاة. وكان يقول أنّ الوقت الوحيد في النهار المخصّص له شخصيًا وككاهن كان ذلك الوقت في الصباح عندما يتوجّه إلى الجبل لدى الاستيقاظ حيث حصل أيضًا موته المبكّر جدًا، ببساطة شلل القلب.

لم يستطع قلبه أن يتحمّل أكثر. وكان لدى الأب سلافكو قلب قدّم نفسه في النهاية. لم يكن لديه الوقت حتّى ليفكّر في نفسه، وفي صحّته وفي مرضه. لم يشكُ يومًا من أيّ شيء يزعجه، مع أنّ صحّته كانت ضعيفة، لاسيما في الطقس البارد عندما كانت الانفلونزا والالتهابات العديدة تأتي وتؤثّر سلبيًا على نظامه المناعيّ. لم يعرف كيف يأخذ وقت راحة لنفسه من الأعمال غير المنتهية التي كان يقوم بها والتي استنفدت قواه يوميًا ويهذه الطريقة، حاملاً صليبه، صليب ميديوغوريه لعشرين سنة، أحضره إلى جبل الصليب وهناك تحت صليب الربّ، ترك صليبه ليتمجّد في الأبديّة. إنّ جبل الصليب هذا الذي كان يتسلّقه بشكل دوريّ في جميع أحوال الطقس مع الحجّاج لكي يتمكّنوا من اختبار جبل الطور (جبل التجلّي) تحت الصليب، تحوّل إلى جبل الطور الخاصّ به: الجلجثة وجبل الطور، جبل الصليب وجبل الطور، تحوّلوا في الأب سلافكو إلى ما كانت الجلجثة بالنسبة إلى يسوع بحسب إنجيل يوحنا: التمجيد الأخير لابن الله. أنا عندما أرتفع أجذب الكلّ إليّ... أيّها الآب لقد مجّدت اسمي... الصليب هو مثل النصر الأخير، الصليب الذي كان جبل الطور نذيرًا له... يا سيّد، ما أجمل أن نكون هنا... وسلافكو بقي هناك، أسفل ذلك الصليب المكرّس، على جبل الصليب، حاملاً صليب الكثير من الحجّاج، صلبان ميديوغوريه، صلبان شعبه، صلبان الكنيسة وأبرشيّته. مات تمامًا كما مات ربّه. ليس على أرّيكة أو سرير، ليس محاطًا بإخوة او أحبّاء، بل أسفل الصليب، على صخور الهرسك الباردة. كم أنّ الدلالات كثيرة في هذا الموت! الأب سلافكو: لقد أحضرت صليبك إلى هنا أسفل صليب الربّ، وتركته هناك، لكي تجذبنا جميعنا أنت أيضًا بموتك إلى هذا المكان بأعداد كبيرة: الأسقف المحلّي، والأبرشيّة بأكملها، وعدد كبير جدًا من الكهنة الإخوة الآخرين، والمؤمنين، والحجّاج الذين عبروا آلاف الكيلومترات ليتمكّنوا من أن يقولوا "شكرًا وإلى اللقاء". هذا الموت شبيه بموقع الالتقاء الذي يجمعنا جميعًا كشخص واحد وحيث نصبح جميعًا متساوين.

أعزّائي الإخوة والأخوات!

ماذا يمكننا القول في هذا المكان عن هذه الحياة المتمّمة؟ عرفته منذ زمن طويل منذ العام 1961. التقيته للمرّة الأولى في القدّاس الأوّل للأب دوبروسلاف ستوييك والأب غويكو موزا في عيد القدّيس استيفانوس في العام 1961. في ذلك الوقت كنت قد سبق وأنهيت السنة الأولى من الدراسة في كليّة اللاهوت في فيسوكو وكان قد قدّم للتوّ تقريرًا للكليّة. تعرّفنا على بعضنا. ذلك الفتى النحيل أخبرني بأنّه تمّ قبوله في كليّة اللاهوت وأنّه ذاهب إلى دوبروفنيك. بعد ذلك، نشأنا وتمّ تدريبنا معًا في هذه الأبرشيّة، ذهبنا معًا، ودعمنا بعضنا، وعملنا جنبًا إلى جنب، لاسيّما في الوقت الذي كنتُ فيه راعًا هنا في ميديوغوريه، وخلال تلك السنوات الستّة تحت الحكم الشيوعي، حيث كان علينا، في ظلّ ظروف غير انسانيّة، أن نظهر بعون الله كلّ ما يُطلب منّا في ذلك الوقت من النعم من أيّام الظهورات عندما بدأ العالم الشيوعي والنظام الملحد بالانهيار وعندها أشرق فجر الحريّة الجديدة للعالم والشعب الكرواتي.

وقد عبّر المفكّر والكاتب الفرنسي الكبير ليون بلوي، وهو مرتدّ وكاثوليكي غيّور، عن فكرة رائعة. وعن هذه الفكرة قالت أوّل كاتبة في الأكاديميّة الفرنسيّة، الخالد السيّد يورسنار قال أنّها إحدى أجمل الأسطر في الأدب الفرنسي، وتقول هذه الفكرة: "لا يوجد سوى سوء حظّ واحد، ألاّ يكون المرء قديسًا". إنّ هذه العبارة تخيفنا، ولكن لا يحقّ لنا أن نخاف منها. لا يكون المرء قديسًا ومقدّسًا إلاّ بالقدر الذي يريده هو أو هي. سواء سنكون أكثر قداسة، أكثر ممّا نحن عليه، الأمر يعتمد علينا. إنّ عيد اليوم يتكلّم إلينا مباشرةً بوضوح بصوت الله وكلماته. وهو يتحدّث إلينا في جميع الحالات التي تنكشف وتجري من حولنا. وهو يتحدّث إلينا من خلال التاريخ ومن خلال الأشخاص. لكنّ المسيح الملك قال بوضوح: "لقد جئت لكي أشعل نارًا على الأرض..." ما الذي قد ترغب به ميديوغوريه عدا ذلك، أي والدة الله من خلال ميديوغوريه ووجودها، في عالمنا اليوم؟ لا تريد إلاّ أمر واحد: جلب ملكوت الله على الأرض. هي تريد نشر ما جاء المسيح ليجلبه إلى هذا العالم. ويُلخّص بسطر واحد: الله ملك. المسيح ملكنا جميعًا. الانسان ليس سوى مخلوق ضعيف لا أكثر. ماذا كان يريد الأب سلافكو. في جميع الصلوات، وأوقات السجود التي لا تُحصى والعظات، والمؤتمرات، والكتابات، أمر واحد فقط: يسوع إلهي، إيّاه أعبد، له أحيا، هو كلّ شيء بالنسبة إليّ! أخدمه هو وحده، أعبده هو وحده، ولكن أيضًا في أخي الانسان. عبر مريم إلى يسوع ولكن أيضًا عبر يسوع إلى مريم!

لقد وجد الإلهام في المسيح وفي فرنسيس. المسيح الذي لم يكتب يومًا شيئًا، والذي زرع فقط الكلمة التي دوّنها رسله. وقد عرف المسيح أنّ بعض البذار فقط تقع على أرض خصبة وفي حياة الأب سلافكو،تمّ هذا الكلام حتّى النهاية. لقد وقع على الأرض الخصبة للإيمان، والقلب، والتقليد الذي تشرّب منه في البيت المنزلي والذي حمل مئات الأضعاف من الثمار.

من ثمّ صورة فرنسيس التي حمّسته. فرنسيس كما المسيح هو معلّمنا جميعًا. فرنسيس، العظيم بين العظماء، الذي رمى سترته الباهظة الثمن على رأس والده، وهو تاجر قماش غنيّ، الشخص الذي أحبّ الفقر من أجل الفقر. وهذا كان أيضًا إلهاما يوميًا بالنسبة إلى الأب سلافكو، عدم امتلاك شيء، وإعطاء كلّ شيء، وأن يكون مثل بولس، كلّ الأشياء لكلّ البشر، لكي أتمكّن من أن أخلّص بعضهم من أجل المسيح. ويمكننا القول بأنّ جيوبه كانت دائمًا ممزّقة، كان يعطي الأموال شمالاً ويمينًا من دون السؤال عن من يكون أو ما يكون. وقد نجح في اختبار الإيمان في قراءة اليوم من الإنجيل لأنّ المحبّة للانسان والله تجسّدا في هذا الشخص. أراد أن يكون شعاعًا من النور في ظلمة هذا العالم. وكان يمتلك الأب سلافكو في داخله توجّهًا نحو المتسامي ونحو الأبديّ. ونحن نعلم أنّ بعض الأشعّة لا تبدّد الظلمة، وأنّ بعض الأمواج لا ترفع المحيط أو تحرّكه، ولكن إن اندهش الأب سلافكو بزهرة أو قطعة من الخبز الذي يوزّعها على الفقراء، إذًا فالعالم يتغيّر بالفعل نحو الأفضل. وهذا هو بالضبط ما يخبرنا عنه إنجيل اليوم حول اللقاء الأخير مع الرب يسوع في يوم الدينونة، وهو أمر فهمه الأب سلافكو حرفيًَا وعاشه.

لو كان الربّ قد قال له: استمع أيّها الأب سلافكو، غدًا ستموت، أعتقد أنّه ما كان توقّف للحظة واحدة عن فعل ما يفعله كلّ يوم، لأنّ كلّ ما فعله كان لديه هدف واحد: تمجيد الله، وعبادته. ما كان ليأخذ أيّ نوع من أوقات الراحة للتفكير في حياته. ما كان ليتخلّى عن تسلّق جبل الصليب، ما كان ليتخلّى عن الصلاة والسجود وما كان أيضًا ليتخلّى عن تقديم المشورة للكثير من الأشخاص، أو تخلّى عن زيارة الأكثر تواضعًا من الناس. لو كان الربّ أرسل مثل هذه الرسالة لنا، لكنّا في الأغلب انزوينا في غرفتنا وحاولنا مرّة أخرى أن نراجع حياتنا ونستفيد إلى الحدّ الأقصى من لحظة الرحمة تلك. لكنّا ربّما فكّرنا في كلام الله واتّخذنا قرارات وحاولنا العيش بشكل مكثّف. ولكنّ الأب سلافكو، وقبل تلك الرسالة من الله لكان استمرّ فحسب في فعل ما كان يفعله: العيش بحماسة من أجل الله ومن أجل الإنسان. وقد سألوا مرّة رجلاً قديسًا لماذا لم يشعر يومًا بالخوف. وأجاب: لأنّي أفكّر في موتي كلّ يوم! الناس يخافون لأنّهم يشعرون بالخوف من كلّ ما يحيط بهم وكلّ ما يملكونه. غير أنّه مواجهة الموت، وإبقاء موت المرء في وجهه كلّ يوم، يصبح كلّ شيء باطل بالنسبة إلى الشخص. فالموت يأخذ المقياس الحقيقي للحياة ويرسل بوضوح رسالة حول ما يجب |أن يعيش منه المرء ويستمدّ قوّته.

ما إن نفكّر بالموت حتّى يخلق لدينا بُعدًا آخرًا: وهذا يعني أنّ كلّ واحد منا يعيش لفترة قصيرة، لذلك من الضروريّ أن نترك وراءنا علامات واضحة، إشارات، علامات مساراتنا واتّجاهاتنا نحو الحبّ، بالاضافة الى ذلك، الآثار التي يتذكّرها الآخرون بسرور، المسارات والطرقات التي يمكن للآخرين أن يمرّوا بها. فيسوع المسيح، الذي كان يعرف أنّ ساعته قد حانت ولأنّه أحبّ تلاميذه الذي اختارهم من العالم حبًّا عظيمًا وأبديًّا، أخذ منشفة وحوضًا وغسل أرجل تلاميذه، مع العلم بأنّ الأرجل هي من الأعضاء الأكثر اتّساخًا لدى الانسان. يسوع بحبّه، لمس أقدام الانسان القذرة ولكنّها أيضًا المجروحة، كما عرف نقطة ضعف كلّ إنسان. اذا ما عسانا نقول عن الآثار التي تركها الأب سلافكو وراءه؟ اختبر هذا العالم، وهو يفعل الخير، يخبر عن يسوع المسيح، يبشّر بالانجيل المقدّس، يحتفل بالذبيحة الالهيّة، يعبد يسوع المسيح في القربان المقّدس وعلى الصليب ويعرف نقاط الضّعف.

مع ذلك، لم يعشْ الأب سلافكو فقط مع الكلمات، بل سكب الكلمات بطريقة تناسب فيها الأفعال، ناسيًا ذاته، لدرجة أنّه كان يقول كلّ شيء، وبالتّحديد لأولئك الذين هم بأشدّ الحاجة الى المساعدة. كان مساعدًا روحيًّا وماديًّا على حدّ سواء، لا بل رفيقًا للكثيرين، بغضّ النظر عن أعدادهم. لقد ترك أثرًا له لا يمّحى، كما كرز بكلمة يسوع المسيح: "كما أحبّني أبي، كذلك أحبّكم"، و"لا أحد لديه أعظم من هذا الحبّ: بأن يبذل حياته من أجل أصدقائه."
بذل الأب سلافكو حياته من أجل كلّ إنسان، وقبل أيّ شيء، لقد أحبّ أولئك الذين لا أحد يحبّهم، المهجورين والمنكوبين الذين تأذوا بشدّة بسبب الخطيئة وحقد الانسان، ولطالما كان يعزّيهم، يداوي جروحهم، يساعدهم ويتقبّل ذلك، حتّى أنّه كان ينسى نفسه. لذلك ذهب باكرًا لأنّه بذل نفسه في كلّ مكان.

عزيزنا الأب سلافكو!

نحن ممتنّون للله لأنّه أعطانا إيّاك، وممتنون له لأنّه دعاك الى مجتمعنا الفرنسيسكانيّ وممتنّون له أيضًا على الهدايا التي وهبها لك والتي استعملتها الى حدّ أقصى. كذلك نحن ممتنّون لعائلتك التي أعطتنا إياك لعنايتنا التي ستكون فيها من إحدى الشخصيات اللامعة. نؤمن بأنّ لدينا في الجنّة شفيعًا ومساعدًا على حدّ سواء، طبيبًا لكلّ الجروح تلك التي تضطهد هذا الشعب وهذه الكنيسة، وفي نفس الوقت لدينا رجلا صالحًا يلتمس سلام يسوع المسيح، ملكنا.

نحن واثقون بأنّك قد تمكّنت من ملاقاة الرّبّ، وجهًا لوجه، وعين بعين، حتّى أنّك وصلت الى عرشه، تمامًا مثل ما يقوله إنجيل اليوم الذي يُقرأ بمناسبة عيد المسيح والملك أيضًا يقوله لنا. ولا ننسى بأنّك تعلمت من مدرسته الخدمة وليس الحكم، التخلي عن الأشياء وليس الاحتفاظ بها، العيش بالفقر المدقع وليس بالغنى، وبالتالي نحن واثقون بأنّه بمثابة مكافأة لك.

ولا نغفل عن القول بأنّ عدد كبير من الناس وبعد لقائك سيقدرون أن يقولوا: "نشكرك يا ربّ، لأننا ما زلنا نجد شخصًا مثل الأب سلافكو، وبفضله أحبّني الله من خلاله." وأنت، أيها الأب سلافكو، كنت قادرًا على القول بثبات: "ما زلتُ أجد مثل هؤلاء الأشخاص الذي من خلالهم تمكنتُ من الوقوع بحبّ الله، ومن خلالهم أصبح الله قريبًا جدًّا منّي، كذلك يسوع المسيح ومريم العذراء."

بذلت نفسك في خدمة مريم، أمّ يسوع المسيح وفي خدمة ظهورها هنا وفي العالم كلّه. لقد كنت رسولا تنشر تقوتِها التي كانت دائمًا بالنسبة اليك ال Christocentric (مصطلح مسيحيّ، يصف المواقف اللاهوتيّة التي ترتكز على يسوع المسيح). ونحن واثقون بأنّ كنيسة يسوع المسيح لن تنسى أبدًا هذا عنك. أمّا القديس جيروم فأعرب على هذا النّحو، قائلا: "ليس من الضروريّ أن تبكوا على الموتى، ولكنْ علينا أن نكون شاكرين بأنّنا عشنا معهم وبأننا ما زلنا دائمًا متّصلين بهم. نحن نؤمن بأننا في الله، وأيّ شخصٍ كان في الله، هو شخص متّصل بكلّ عائلة الله." واستنادّا الى هذا التفكير، أعبّر عن عواطفي تجاه أمّك لوسيا، إخوانك، أخواتك وتجاه كلّ أقربائك. وأشكر منزلك لأنّه منحنا إياك وبأنك كنت لنا.

وفي نهاية المطاف، أيها الأب سلافكو العزيز، أودّ أن أطلب منك طلبًا واحدًا: سامحنا اذا أسأنا فهمك في عيوننا أو من خلال وجهات نظرنا. ولطالما أردت كل الوسائل من أجل أن تكون رجلا كاثوليكيًّا، رسوليًّا، راهبًا فرنسيسكانيًّا وكرواتيّا من الهرسك. قابلتنا وكثيرًا ما أسأنا فهمك، ولطالما ما كنت تفكر في ما هو أبعد من الراحة، فقط مثل بروميثيوس الأسطوريّ الذي هو واحد من الأشخاص الذي يفكّر مسبقًا ويخترع شيئًا جديدًا. ومع ذلك يبقى أمر واحدٌ الا وهو كلمة يسوع المسيح: تعرفون الناس من أفعالهم. فعملكم ظاهرٌ ودائم لأنّه مبنيّ على الصلاة على ركبتيكم، بحثًا عن إرادة الله من خلال علامات الأزمنة. للأسف، ذهبت بعيدًا عنّا ولكنّك تبقى دائمًا متّصلا بنا وفي قلوبنا. لذلك، ومرّة أخرى، نشكرك على كلّ شيء ونتمنّى أن تستريح بسلام ربّك، في ظلّ كنيسة ميديوغوريه، جبل الصليب وتلة الظهور. آمين.

المديح- كلمات الوداع

الأب إيفان لانديكا بالنيابة عن الرّهبان الفرنسيسكان في ميديوغوريه

بعد صلاة إحدى مراحل درب الصليب مع أبناء الرّعيّة ومع الحجاج على كريزيفاك، يوم الجمعة، بدأ يتألم الأخ سلافكو وقد مرّ بكلّ محطات آلام المسيح حتى القيامة. بالنسبة الينا وللوهلة الأولى، لم نصدّق وكان ذلك لنا صدمة، وقد توفي الأخ سلافكو بهدوء في مكتبه، على كريزيفاك. نعم! هذه هي الحقيقة، توفي في مكتبه على كريزيفاك، وكثيرًا ما تحدّثنا مع بعضنا البعض ومعه بأنّه سيموت إمّا على بودبردو (تلة الظهور) أو على كريزيفاك. ولو عاد اليه الأمر لكي يختار مكان وفاته، لاختار بالتأكيد بودبردو أو كريزيفاك، ففي أثناء غيابه، منح اليه الرّبّ القليل من العدالة الانسانيّة والمفهومة بالنسبة الينا، نحن البشر. تشكّل هاتان التلّتان للأخ سلافكو مكتبه، طاولة عمله، كلّ أثاثه ومكانه المفضّل للصلاة على قمم الجبال. هنا، كان الرّبّ وأمّنا قريبيْن جدًّا منه، وكان حيًّا وإنسانيّا للغاية ومفعمًا بالألوهيّة.

بالنسبة للباقي، فلم يبق لديّ سوى الشكر

أشكركم على السير على أثر ملكة السلام التي تريد أن توجّهنا الى ابنها.

  • نشكركم لأنّكم فكّرتم في العالم كله، كيف يصلي ويصوم، كما نشكركم لأنّكم صليتم وصمتم أكثر من غيركم.
  • نشكركم لأنكم علمتونا كيف نفعل الخير وكيف نحبّ الآخر ومن دون أيّ استثناء.
  • كان ترتيب سلّم القيم في حياة الأخ سلافكو واضحًا: الله وشؤونه، أمنا وشؤونها في هذه الرّعيّة وحبّه لبلده كرواتيا. أمّا أعماله الخاصة به، فكانت آخر همومه، لدرجة أنّه كان يهتمّ بها عندما يسمح له الوقت واذا كان لديه الوقت.
  • كان صديق ليتامى الحرب، للأرامل وللسجناء، ولطالما كان يدافع عن أولئك الذين تمّ نفيهم والتخلص منهم، عن أولئك الذين نفضّل التخلي عنهم (تمّ أخذ مثل هذه المجموعة الى المذبح). كان طبيب لأولئك الذين تخلوا عنهم الناس والأخصائيين. كنت تعطي الأمل والفرصة لكلّ الذين لم يُعط لهم ذلك. والمعجزة في ذلك! أنّك كنت دائمًا على حقّ، فبالنسبة الى هؤلاء الأشخاص، لم تتردّد يومًا واحدًا في أن تقرع على كلّ باب، والأبواب تُفتح لك.
  • في خلال خمسين سنة فقط، عشت مع حياة الكثير من الناس التي تواجه المشاكل.

عزيزي الأخ سلافكو،

لم تتميز حياتك بالنجاح فحسب، انما تلقيت جلطات دماغية عديدة. اني أعلم كم تأذيت في السنوات التي فاتت لا سيما في الأوقات الأخيرة .نكبت من البعيد والقريب. اني أعلم كم تأذيت و كم عانيت و كنت أحياناً ترغب في تجنب النكبات لكنك قبلت بعض التعليقات القصيرة فقد تركت كل شيء للزمان و للقاضي العادل أرجو أن تسامحنا لأننا لم نكن قادرين أن نسلك طريقك فلم نقدر ما كنت تفعله حق قدره لأنك غالباً ما كنت سريعاً في أفكارك و مشاريعك. و قد وصلت نصف الطريق إلى الهدف عندما أدركنا أن ما كنت تفعله لم يكن مستحيلاً. كنت دائماً تتقدمنا بخطوة. الآن، و بعد رحيلك و ولادتك للسماء، اننا نفتقدك كثيراً إلا أننا نشكرك لأنك لبيت نداء الله و سيدتنا مريم العذراء. للاه الكلمة الأخيرة، و نحن نقبلها.

أعزائي أبناء ال أبرشية، والحجاج،

في خلال الأشهر القادمة سيأتي الناس ويسألوا: “أين الأخ سلافكو، أهو في المنزل؟" فقولوا لهم: “نعم إنه في المنزل! الراحة الدائمة أعطه يا رب!” إن أبرشية سرين غارقة في الحزن و تبكي على الرجل العظيم، على ابنها، الأخ سلافكو بربريك، الذي غادرنا فجأةً.
إنه عظيم لأنه،

كان يصلي بلا توقف

نشر كلمة الله و رسائل سيدتنا مريم العذراء في كل أنحاء العالم بلا خوف. وإذا قام القديس فرنسيس من كزافييه، كمبشر في الشرق الأقصى، بتعميد أكثر من ٤٠٠٠٠ شخص، فالأخ سلافكو بين طريق الرب للملايين.
كان المتبرع الأعظم للأطفال الصغار والايتام، والمريضين، والمدمنين، و كبار السن، والعاجزين

متعاطف، لديه روح القديس فرنسيس، اسلوبه و سلوكه

كالقديس فرنسيس، أحب كل المخلوقات والأرض الأم وكان عالم بيئة في عصرنا يحمل شعار: “أزهار أكثر، قمامة أقل”.

حامل دكتورا في اللاهوت، ليس اللاهوت المكتوب على الورق، ولا لاهوت العقل انما لاهوت القلب. وحصل على هذه الدكتورا هنا في مدرسة سيدتنا مريم العذراء. وعبر عن لاهوت القلب بالكلمة المكتوبة والكلمة المحكية بطريقةٍ لم تبق الذين قرأوا كتاباته و الذين اصغوا لكلماته، غير مكترثين.

رسم من جديد طريق المثلث التي صممتها سيدتنا هنا في ميديوغوريه، و هو توحيد “تلة الظهور” ، وجبل كرزيفك (جبل الصليب) والكنيسة، فمشى وصلى وتكلم ونقل هذا المثلث إلى قلوب البشر. على “تلة الظهور” تدعو السيدة العذراء إلى معرفة الذات. تنادينا، في صلاة درب الصليب، لنترك كل ما هو سلبي وآثم في داخلنا و تدلنا على الطقوس الكنسية الشافية والتي تنعش الروح: سر الإعتراف المقدس والقداس الإلاهي المبارك. لم يكن سلافكو يمل من تصميم هذا المثلث في قلوب الحجاج.

لكن الرجل العظيم الذي ينتمي إلى قمم الجبال، محظور من التراجع، انما فعليه إستئناف الصعود. وهذا ما حصل مع الأخ سلافكو فبينما كان يتسلق جبل كرزيفك ويتلو صلاة درب الصليب، تسلق قمة الكالفاري فرفعه الله إليه. تعطي ولادة الرعية وداعاً مؤلماً لرجلها العظيم، لكن أيضاً وداع عرفان بالفضل، إفتخار و أملٍ محتم.

أيتها الأم العزيزة،
أيها ال اخوان و الأخوات الاعزاء،
أفراد عائلة الأخ سلافكو و اصدقائه الاعزاء،
نحن كلنا محزونون لكننا نقول له كلمات الوداع هذه المليئة بعرفان الجميل لأن الله وجد في ابرشيتنا عائلة لترفع رجلٍ عظيم إلى مستوى المسؤولية. نقول كلمات الوداع هذه للأخ سلافكو، و كلنا إفتخار، لأنه كان رجل عظيم و مليء بأملٍ ثابت، اعطته إياه السيدة العذراء التي كرس نفسه لها. و قالت له مرةً: “ أهلاً بك يا ابني في ذراع الآب و الأم، وأشكرك لأنك استجبت لنداءاتي”
عزيزي ال أخ سلافكو،

نشكرك على كل شيء! فلتكن أرض ميديوغوريه الكرواتية ضوءًا لك! ولتسترح روحك بسلام الله!

الأخ ديتريش فون ستكهوسن نيابةً عن الاساقفة من جميع أنحاء العالم الذين دخلوا ميديوغوريه بصفة الحجاج

صاحب الفضيلة الأخ سلافكو،

اليوم وعلى نعشك، أريد أن أشكرك نيابةً عن العديد من الاساقفة الذين يتكلمون الألمانية ونيابةً عن الاساقفة الذين أتوا من جميع أنحاء العالم إلى ميديوغوريه فتعزز ايمانهم هنا وبعضهم وجد إيمانهم المفقود. وأود أن أشكرك على عدد الشباب الذي لا يحصى الذين اختبروا دعوة روحية أو اعادوا إكتشاف حب الرب لهم هنا في ميديوغوريه. وكانت حياتك مستقيمة جداً، وملتزمة جداً، ومثالية جداً أما احتفالك بالليتورجية والمواعظ وكل الكلمات التي كتبتها في كتابك فكانوا لنا شهادةً عميقةً للإيمان في حب الرب لنا نحن البشر ولخلقه وأنت لم تفهم فقط نداء السيدة العذراء بل أصبحت أيضاً أداة مقنعة لندائها للإهتداء وللإيمان فبهذه الطريقة بينت للحجاج الذين أتوا إلى هنا أنه، في هذا العالم، نحن بحاجة إلى اليد المحبة لأمنا السماوية كي نكون قادرين أن نمشي صوب الرب بسهولة وبوعي. بينت لنا الطريق لللقاء الحقيقي والصحيح مع الرب في هذا العالم في الإحتفال بالقداس المبارك، وفي الإعترافات الكثيرة، وفي السجود للقربان المقدس، وفي الكتاب المقدس، وفي جميع الأسرار، وسمحت للبشر أن يشاركوك ثقتك العميقة في الله والصادقة معه، وسمحت لهم الإيمان بأن الله هو أبانا الذي يحبنا بلا نهاية، من خلال أحاديثك غير المعدودة مع الحجاج، في معظم اللغات الأساسية العالمية، ومن خلال كتبك التي ترجمت أيضاً إلى لغاتٍ عديدة. إن موتك المفاجئ على جبل كرزيفك بين المحطة الثالثة عشر والرابعة عشر من درب الصليب جعلتنا نرى بوضوح أن أبانا الحبيب في السماء قد قبل تضحيتك بحياتك، وكذلك مريم العذراء التي وهبت ابنها، الميت، للآب في المحطة الثالثة عشر وكنت كل يوم في الصباح الباكر تتسلق واحدة من التلتين، إما جبل كرزفك وإما جبل بدبوردو، وفي يدك دائماً المسبحة الوردية فهكذا كنت تبدأ نهارك. وغدا، في يوم دفنك، إحتفال المسيح الملك علامةً أخرى لنا بأن المسيح الملك وإله حياتك قد قبل عمل حياتك وبأنه سمح لمريم العذراء، ملكة السلام، أن تقودك إلى مملكة السلام لدى ابنها. وفي رسالة البارحة، أعلنت لنا أمنا السماوية أنك ولدت من جديد للسماء وبالتالي، أنت اخترت طبعاً ووهبت القسم الأفضل من الحياة ولهذا، نحن نفرح معك من كل قلبنا لأنك - كمعاونٍ موثوق به لملكة السلام هنا على الأرض - تستحق ذلك لكن سيدتنا العذراء تقول لنا في هذه الرسالة أنه من خلالك تلقينا شفيعاً جديداً في السماء لذا نطلب منك أن تكون دائماً إلى جنبنا في حياتك السماوية في الطاقة نفسها وفي الإلتزام نفسه اللذين كنت تعيشهما في حياتك على الأرض حيث كنت دائماً إلى جانب كل واحدٍ منا هنا في ميديوغوريه. أود أن أشكرك مرةً أخرى، شكراً ودياً، على صداقتك وحبك. نراك في الجنة!

مجدلينا بجيك، نيابةً عن أطفال مؤسسة "قرية الأم" MOTHER'S VILLAGE

عزيزي الأخ سلافكو،

نحن ما زلنا في انتظارك!

كان من المفترض أن تأتي إلى " قرية الأم" نهار الأربعاء بعد درب الصليب. لا أعلم ما إن كنت تريد أن ترى شخصاً معيناً أو كلنا معاً لكننا نحن هنا الآن في هذا الصف المليء بالحزن وحتى ماجة الصغيرة من بجلوفر قد أتت، وبوريس وتوني هنا ويا للمفاجأة فهم صامتون، وفي صلاتها الوردية، تضيف العمة روزيكا "السلام عليك يا مريم" لك. وطال سهرنا ليلة الجمعة، نتساءل لماذا لم تأت وإلى أين قد ذهبت فرأينا اخواتنا الراهبات يحتفظن بصمتٍ طويل بدل من أن يعطونا جواب. والبعض منا ما زال لم يستوعب ما قد حصل، والبعض لن يستطيع أن يتذكر وجهك حتى، لكن كل واحدٍ منا يشعر بحزنٍ شديد، وبالغضب قليلاً وكلنا لدينا الرغبة نفسها وهي أن نشكرك شكراً جزيلاً: شكراً أيها الأخ سلافكو لأنه وردتك فكرة إنشاء " قرية الأم"، شكراً لأن الخوف لم يراودك عند استقبالك لنا مع اختلافنا شكراً لأنك علمتنا كيف نكون شجعان وطلبت منا أن نحيي أبيات الوردية على جبل بدبردو بينما كنا نتعلم كيف نصلي شكراً لأنك سمحت لنا أن نرى أن للألعاب لوناً، وبأن شوكولاتا النوتيلا طعمها حلو، وبأن الأرجوحة لا تهتز إلا بشخصين، شكراً لأنك جعلت إرتداؤنا ثوباً أبيضاً في المناولة الأولى، كسائر الأولاد، ممكناً شكراً لأنك علمتنا كيف نحب سيدتنا العذراء وكيف نصلي للرب، شكراً لأننا، على الرغم من كل شيء، اكتشفنا أن لكلمة "الحب" معناً. قال لنا الآخرون بأن الوقت يشفي كل الجروح لكن أنت الوحيد الذي قال لنا أن الوقت هو فقط رفيق الطريق وأن الحب وحده يشفي كل الأمور وموتك يقول لنا الأمر نفسه بقدر ما كانت لحظة موتك قصيرة ، بقدر ما كانت قصيرة اللحظة التي كنا بحاجة إليها كي نفهم حبك وتضحيتك نحن نعلم الآن أن كل ورقة مرمية على الطريق، وكل ملاحظة مؤذية في المدرسة، وكل عمل تمرد تجاه العمة كانوا إهانات لهذا السبب، وبقول هذه الكلمات أمام قبرك المفتوح، نأخذ على نفسنا عهداً للإخلاص لكلمتك ولعملك. نشعر، كبشرٍ يعانون من ألمٍ شديدٍ، وكأنك تسألنا: "يا ابنائي أين ايمانكم؟" فبالإيمان، نراك متحد مع أمنا وأمك مريم العذراء فتخف معاناتنا فبالنتيجة هذا هو أملنا الوحيد لأنه، وللصراحة، أصبح ميتم " قرية الأم" يتيماً بحد ذاته وإذا كان لنا أن نكمل انتظارنا لك، فحتماً سيسيطر علينا الخوف لذا نفضل أن نسألك أن تنتظرنا أنت بعد أن وصلت الملاذ السماوي وإذا تخيلناك ماشياً على الطريق، منحنٍ برفقٍ إلى الأمام، وتلفت خلفك نحونا، فلن نقول "الوداع أيها الأخ سلافكو" بل نقول، بقلبٍ مجروح وبروحٍ طفوليةٍ طاهرةٍ مليئةٍ بالحماس: "يا أخانا سلافكو العزيز، سنراك وشكراً"

جبريلا سيلك، طالبة، نيابةً عن منظمة "أصدقاء المواهب" (THE FRIENDS OF TALENTS)

أبانا العزيز، الأخ سلافكو،

نشكرك شكراً لا متناهي نيابةً عن منظمة "أصدقاء المواهب" في ميديوغوريه، ونيابةً عن الأجيال العشر من الطلاب الذين اكتسبت لهم آلاف الرواتب، والذين تكبدت على نموهم الروحي. نحن نودعك، يا مخترع فكرة المنظمة ومؤسسها، يا رئيسنا المحترم والمحبوب، أخانا سلافكو.

صديقنا العزيز، إن حقيقة رحيل جسدك مؤلمة وصعبة لكن موجز حياتك، المميز بالحب والعطاء لاخوتك، هو الإيمان بطرق المسيح: فقد صنعت دربك، درب الصليب، وغفوت تحت الصليب وفي هذه اللحظة، إن تعداد الأعمال الجيدة، والعظيمة، والنبيلة التي قمت بها من أجل المنظمة ومن أجلنا نحن الطلاب، أمراً مستحيلاً فنحن لا ندرك حتى حجمهم. ونحن مقتنعون بأن الأيام الآتية ستسمح للجميع فهم نبالة أعمالك وأهميتها. ونحن نعترف بأنه، في هذه اللحظة، نحن غير مدركين لضخامة خسارتنا لكننا نود أن نلفظ نذرنا، وهو تبع الدرب الذي أريتنا إياه، درب ملكة السلام. ونقول لك كلمات الشكر هذه، معاونيك من المنظمة، وكلنا نحن الطلاب، على نعشك، طالبين من الآب السماوي أن يمنحك المكان الذي تستحقه في أورشليم المقدسة ويسمح لروحك النبيلة أن تبقى معنا.
يقول الشاعر أ.ب. سميك:

لا تلمسوا قربي،
في الليل، حين تسمع ضوء القمر الصامت يدندن في أذنك،
وحين ترى الطيف المظلم يتحرك في الغسق
على الجانب الثاني من المياه الهادئة الداكنة
فاعلم:


أمشي بإستقامة وبوقور كما لو كنت بقربك."
ستظل دائماً في قلوبنا و في صلواتنا. شكراً لك

بوريس فدوفيك نيابةً عن جماعة " سنكولو" (CENACOLO)، شكراً لك

تفاجأنا كلنا بموت الأخ سلافكو بربريك، على جبل كرزيفك في ميديوغوريه بعد صلاته درب الصليب. وهذا الموت الذي يشبه موت يسوع المسيح هو عزاؤنا الوحيد ويعطينا الأمل بأن الله قد إختار الوقت المناسب شكراً أيها الأخ سلافكو على كل ما فعلته للمحتاجين، وللفقراء، وللطلاب، وللعائلات، وللكثيرين وشكراً لأنك حميت حياتنا، ولأنك أشعلت السلام والحب، ولأنه كان لديك الوقت دائماً لحديثٍ. وشكراً أيضاً على صلاتك الواقعية جداً، والقوية جداً، والمواظبة جداً، وعلى كل السهرات الطويلة وسجودك على ركبتيك، شكراً لأنك كنت مثل لنا والأهم من ذلك كله، شكراً على شهادتك اليومية التي لا تعرف الكلل لرسائل سيدتنا مريم العذراء في خلال السنوات الثمانين هذه مذ كنت في ميديوغوريه. ونحن نعلم الآن أنه لدينا شفيع في السماء.

JURE DZIDA ، مختار سيتلوك

أيها الجمهور الحزين والكئيب، عزيزي الأخ سلافكو،

اني أودعه، بقلبٍ حزين وبروحٍ مهزوزةٍ، من جماعة سيتلوك إلى روحه الراحلة وأريد أن أعطيه شكراً وتقديراً كبيرين. ولد فقيدنا هنا، وأمضى جزءًا كبيراً من حياته هنا من دون أن يبخل بنفسه علينا وأخيراً بدد نفسه إلى النهاية: فقد إحترق. وهو يرقد الآن في هذه الجماعة بسلامٍ أبدي.

بما أن الجنة فتحت فوق سماء بجكوفسي وميديوغوريه، وبما أن سيدتنا مريم العذراء بدأت تتكلم، قام الأخ سلافكو، وهو إبناً للقديس فرنسيس، وحبيباً لوطنه ولشعب كرواتيا - كمبعوث من الملك العظيم -بدعوة العالم للرجوع إلى الله وراح يقول لهم أن هناك منطقة اسمها هرجوينة حيث فتحت الجنة وتكلمت، وراح يقول لهم أن هناك يعيش شعب الله وهو الشعب الكرواتي، المليء بالإيمان والذي يحتفظ بثقافته الخاصة، والذي يعاني آلامه الخاصة، والذي يحمل آماله الخاصة. فكم من العالم قد سمع بنا بفضله؟ وكم من العالم قد ساعدنا بفضله؟ من يستطيع عدهم؟ تكلمنا نهار الخميس، في ال"قرية الأم" مع المتبرعين، عن مشروع إيجاد بيوت لكبار السن. أيها الأخ سلافكو، أنت أحببت ميديوغوريه! وعشقت جبل كرزيفك! فعلى هذا الجبل، لفظت أنفاسك الأخيرة فتنفست الصعداء، ووجدت السلام والراحة الأبديين في ميديوغوريه. نشكرك على كل كلمة! نشكرك على كل نصيحة! نشكرك على كل إندفاع! نشكرك على كل مساعدة تلقيناها بفضلك! نشكرك على كل عمل خير! نشكرك لأنك جعلت وطنك معروفاً في العالم! أيها الأخ سلافكو، الآن وأنت في الجنة، لا تنسى إحتياجات وصعوبات منطقتك، ووطنك، وقومك. نم في سكون رجل عظيمٍ، ملتزمٍ، لا يعرف الكلل، وعادلٍ.

جاكوف كولو يقدّم الوداع للأب سلافكو باسم جميع مشاهدي الرؤى

أخونا العزيز، الأب سلافكو. كيف يمكننا ألاّ نتذكّر جميع تلك السنوات التي قضيناها معًا: كلّ أحاديثنا، كلّ واحدة من صلواتنا معًا وكلّ ما مررنا به معًا؟ كيف يمكننا ألاّ نتذكّر كلّ تضحياتك والمعارك التي خضتها من أجلنا؟ كيف يمكننا ألاّ نتذكّر طيبتك ومحبّتك لنا. وأنت الذي غالبًا ما قلت لنا :"أتعلمون أنّني أحبّكم؟"

لقد شعرنا بهذه المحبّة في الكثير من الأوقات وبمختلف الطرق. ونحن نتذكّر الكثير من كلماتك. فكنت غالبًا ما تسألنا بعد الظهورات "كيف هي العذراء؟" وأنت أيّها الأخ العزيز موجود معها الآن، أنت الذي كرّست حياتك من أجلها، أنت الذي فعلت كل شيء لكي يعرف الجميع محبّتها وطيبتها. لقد كانت تلك المحبّة والطيبة موجودتان فيك ويمكن لكلّ شخص تعرّف إليك أن يشهد على ذلك.

نشكرك يا أخونا العزيز على دعمك الذي غالبًا ما احتجنا إليه والذي منحته لنا في كلّ لحظة. نشكرك على كلّ نصيحة أعطيتها لنا عندما كنّا في أمسّ الحاجة إليها. نشكرك على قيادتك لنا في خلال حياتنا الروحيّة وعلى مساعدتنا من خلال الصلاة في حياتنا الشخصيّة.

نشكرك على كلّ زيارة قمت بها إلى منازلنا والتي جلبت معها الكثير من البركات والفرح إلى عائلاتنا.

نشكرك على كلّ لعبة لعبتها مع أولادنا الذين عرفوا من أنفسهم كيف يعرفون الصديق الحقيقيّ.

واليوم، يا أخونا العزيز، نحن نبكي ولكن في الوقت نفسه نفرح لأنّك مع التي أحببتها بشكل لا يُقاس، تلك التي كرّست حياتك من أجلها، العذراء. سيبقى عملك، وطيبتك ومحبّتك حيًا إلى الأبد فينا وفيك، يا أخونا العزيز، صلّ لأجلنا دومًا واسهر على راحتنا دومًا.
والآن، يا أخونا العزيز، نقول لك ما قلته لنا دائمًا: "هل تعرف يا أخونا كم نحن نحبّك؟"

جاكوف، إيفان، ميريانا، إيفانكا، فيكا، ماريا.

خطاب الوداع لكاهن رعيّة ميديوغوريه الدكتور الأب إيفان سيزار

أعزائي الأخوة والأخوات، أخونا العزيز سلافكو!

لا أحد منّا من الذين عرفوك معرفة وثيقة أكثر أو عاشوا بقربك، كان بحاجة إلى أن يسألك أين كنت تريد أن تكون بعد ظهر يوم الأحد: فقد عرفنا كلّنا جيدًا بأنّ ذلك الوقت كان مخصّصًا بشكل حصريّ من أجل صلاة الورديّة على بودبوردو. ولم تتمكّن الأمطار، أو الشمس، أو الرياح، أو العواصف، أو أيّ شيء آخر من ثنيك عن تحقيق نيّتك تلك. واليوم بودبوردو فارغة وحزينة، تنتظر ضيفها الأعزّ والأكثر ترددًا عليها. لكنّك لست هناك! لست هناك لأنّ ربّ الحياة والموت سُرّ بأن يستلم روحك تحت الصليب يوم الجمعة حيث قمت مرّة أخرى بتسلّق جبل كريتزيفاتش المرتفع لتتأمّل في معاناة وآلام معلّمك ومخلّصك، يسوع المسيح. يا لهذه الرمزيّة! لقد أحببت الصليب وحملته من دون كلل وكرّمته بانتظام ولفظت أنفاسك الأخيرة عند قدميّ الصليب يوم الجمعة في كريتزيفاتش.

ولد الأخ سلافكو في الموسم الذي يحلّ فيه الربيع محلّ الشتاء، في 11 آذار/مارس 1946 في دراجيشينا، رعيّة سيرين. وكان اسم والده ماركو واسم والدته لوكا، مولودة باسم ستوييتش. لقد أنهى دراسته الابتدائيّة في العام 1961 في سيرين. وقد درس في الثانوية التقليديّة في دوبروفنيك من العام 1961 إلى العام 1965. حيث حاز على شهادة الإجازة. لقد حصل على الرسامة الفرانسيسكانيّة للمرّة الأولى في هوماك في 14 تمّوز/يوليو 1965. وقد درس اللاهوت في فيسوكو، وساراييفو، وغراز، وفريبورغ. وقد قدّم نذوره في 17 أيلول/سبتمبر 1971 في لا فيرنا، حيث حصل القدّيس فرنسيس، أبوه وأبينا، على آذار الجروح. وقد رُسم كاهنًا في 19 كانون الأول/ديسمبر 1971 في رويت (النمسا). وبعد خمس سنوات من الخدمة الرعويّة في كابليينا، تابع دراساته العليا في فريبورغ حيث حاز على دكتوراه في التربية الدينيّة ولق المعالج النفساني في العام 1982. ومن العام 1982 حتّى شهر أيلول/سبتمبر من العام 1984 خدم بصفة الكاهن المرافق للطلاب في موستار.

وبفضل معرفته باللغات الأوروبيّة الأساسيّة ومحبّته العميقة لأمّ الله، وعلى الرغم من الواجبات الكثيرة التي كانت لديه في الرعايا التي كان تابعًا لها، كرّس الأب سلافكو كلّ لحظة فراغ لديه للعمل مع الحجّاج في ميديوغوريه. تمّ نقله رسميًا إلى ميديوغوريه في أيلول/سبتمبر من العام 1983 حيث بقي حتّى العام 1985، ومنذ ذلك التاريخ حتّى أيلول/سبتمبر 1988 كان كاهن رعيّة بلاغاي وكان يستغلّ كلّ لحظة فراغ لكي يكون في ميديوغوريه من أجل العمل بلا كلل مع الحجّاج الكثيرين الذين يقصدون هذا المكان. ومن العام 1988 حتّى العام 1991 كان الرئيس المساعد للمبتدئين في هوماتش حيث كان أيضًا كاهن الرعيّة.

في بداية الحرب في البوسنة والهرسك حيث لجأ كلّ الرهبان الكبار في السنّ إلى توسيبي، ظهرت مشكلة تأمين الاعترافات في ميديوغوريه. ومع الإذن الشفهي للأخ دراغو تولي، رئيس الأبرشيّة في ذلك الوقت، انتقل الأخ سلافكو إلى مديوغوريه وبقي هناك حتّى وفاته التي فاجأتنا وأثّرت فينا جميعًا يوم الجمعة عند الساعة 3.30 ب.ظ.

كتب أحد يومًا ما عبارة أنّه ليس من المهمّ كم يعيش الإنشان بل كيف يعيش. وإن كان هذا هو المقياس الحقيقيّ للحياة فيمكن تأكيد بأنّ الأخ سلافكو عاش على الأقلّ ثلاث حيوات. كان عاملاً لا يتعب من دون وقت عمل محدّد أو مكان عمل محدّد: فكان بإمكانك رؤيته وهو يتحدّث مع الحجّاج، وبعد ساعة ترونه يعزّي الحزانى الذين كانوا يبحثون عنه كلّ يوم وكان يسرع بالذهاب إلى قرية الأمّهات، وهي المؤسّسة التي أسّسها شخصيًا والتي أضفت الكثير من الفرح على حياته، وهي اليوم مؤسّسة تهتمّ بأكثر من 60 شخصّا لاسيّما أيتام الحرب أو الأولاد في الأسر المحطّمة.

من الصعب تعداد كلّ ما فعله الأخ سلافكو إذ نحتاج الكثير من الوقت للقيام بذلك. ومئات رسائل التعازي من جميع أنحاء العالم التي نتلقّاها اليوم تؤكّد على ذلك. وبكلمة واحدة، كان ولدًا مع الولد، كان يتعذّب مع المتعذّبين، كان مفكّرًا مع المفكّرين، كان الأم للمتروكين والمهجورين، وجمع من حوله المنبوذين وكان "مدمنًا" بالنسبة إلى أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة. ويجب علينا على الأقلّ أن نذكر ما يعرفه الجميع: كان يستقبل شروق الشمس بشكل منتظم في كريزيفاتش في بودبوردو كما كان يبقى ساهرًا عند منتصف الليل. لم يره يومًا أحد جالسًا أمام الكمبيوتر يكتب ومع ذلك كان واحدًا من أكثر مؤلّفي الكتب الروحيّة المثمرين. وقد تُرجمت كتبه إلى أكثر من عشرين لغة وطُبعت على أكثر من 20 مليون نسخة حول العالم.

اعتبره كثيرون أمرًا عجيبًا وكان كذلك بالفعل. ولهذا السب بالتحديد فإنّ فراقه أمر مؤلم للغاية، فالأمور العجيبة لا تحصل كلّ يوم، ولا يولد مثل هؤلاء الناس العظماء كلّ يوم.

أخي العزيز سلافكو! لم يمرّ حتّى في أحلامي أنّنا سننفصل بهذه السرعة، لم أظنّ يومًا أنّني سأكون أنا الشخص الذي يقرأ سيرتك الذاتيّة، فاللآلئ ليس لها سير ذاتيّة بل سيرة للعظائم، وهم يعيشون إلى الأبد لأنّها لا يُكتشفون بل يُمنحون. ولكنّ ربّ الحياة والموت ارتضى في هذا الوقت بالتحديد أن يدعوك إليه ونحن نقبل بمشيئته. ها إنّك ترحل تاركًا ورائك مشاريعك الكبرى وسيكون من الصعب تحقيقها من دونك وكلن هنا أمام قبرك المفتوج حيث سترقد بسلام، أعدك بأنّنا سنحاول على الأقلّ بأن نكمل من حيث توقّفت لأنّي أعلم بأنّ هذه هي رغبتك الكبرى.

ارقد في سلام الربّ وليكافئك الله الصالح والرحوم على كلّ عمل صالح. آمين