الأب مارينكو يتحدّث عن الصوم في أوّل تأمّلٍ للصوم

date: 09.03.2021.

تاريخ: 24. 02. 2021.

في هذا الصوم الكبير، تحضّر أبرشيّة مديوغوريه ومركز المعلومات "سلام" مديوغوريه تأمّلات الصوم أيّام الأربعاء. ستتمّ هذه التأمّلات يوم الأربعاء بعد برنامج الصلاة المسائي، الذي يُبَثّ مباشرةً على قنواتنا على "يوتيوب" وصفحات "فايسبوك"، كما يُبَثُّ مباشرةً على البرنامج الإذاعي.

سيُقدّم هذه التأمّلات الأب "مارينكو شاكوتا" والأب "ستانكو مابيتش" والأب "أنتي ﭬوتشكوﭬيتش"، وأوّل تأمّل عن الصوم قدّمه الأب "مارينكو شاكوتا" متوفّر هنا.

 الصوم هو إحدى أولى الدعوات وأكثرها أهميّة للسيّدة العذراء في مديوغوريه.

نجد بالفعل دعوة للصوم في بداية الكتاب المقدّس، في سفر التكوين "وأمر الربّ الإله الإنسان قائلاً: من جميع أشجار الجنّة تأكل، وأمّا شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها!" (تك 2، 16)، ولكنّها موجودة أيضًا في الكتب الأخرى من الكتاب المقدّس. كان يسوع يصوم كما صامت الجماعات المسيحيّة الأولى. إنّ التطبيق العملي للصوم موجود في تاريخ المسيحيّة بأكمله، لكنّه ضاع عمليًّا في القرن العشرين.

كان أحد الكهنة يشارك هذا مرّةً مع الأب "سلاﭬكو بارباريتش": "هنا (في مديوغوريه)، أدركت أنّه خلال 30 عامًا من الوعظ لم أتحدّث إلى الناس قط عن الصوم، ولم أشرح قط لماذا وكيف، ولم أخبرهم قط عن المخاطر أو المزايا. أذكر الصوم فقط في زمن الصوم الكبير. والآن، عندما أقرأ الكتاب المقدّس، أتساءل كيف كان من الممكن عدم رؤية هذه الرسالة، وهي في كلّ صفحةٍ تقريبًا. كيف كان ذلك ممكنًا، أتساءل طوال الوقت وأخشى وجود المزيد من الرسائل التي تنتظر اهتدائي الشخصي، لذلك سأكتشفها عندئذٍ فقط."

ما هو الصوم؟ الصوم ليس حمية. بينما تهدف الحمية إلى الجسد فقط، فإنّ الفهم المسيحي يدور أكثر حول الداخل وتغيير القلوب.

الصوم هو "عمل تواضعٍ أمام الله وتعبيرٌ عن التوبة، عن حاجتنا إلى الارتداد عن الذنوب والأنانيّة، لذلك نحبّ الله قبل كلّ شيءٍ ونحبّ جيراننا كأخوةٍ وأخوات. الهدف من الصوم هو تغيير كياننا كلّه - الجسد والنفس والروح. وهو مصحوبٌ بالصلاة وأعمال الرحمة."

الصوم فعلٌ أفحص به نفسي لأرى ما أتغذّى عليه وما أعيش عليه...

كيف نصوم؟

نلاحظ دعوة للصوم في رسائل السيّدة العذراء. ذات مرّة، سأل الشهود السيّدة العذراء ما هي أفضل طريقةٍ للصوم. فقالت السيّدة العذراء:

"أفضل طريقةٍ للصوم هي على الخبز والماء." (21 تموز 1981)

في مناسبةٍ أخرى، تدعونا السيّدة العذراء إلى "الصوم بصرامة" (14 آب 1984)

"لذلك أدعوكم جميعًا، أولادي الأحبة، إلى الصلاة والصيام بمزيدٍ من الحزم." (25 آب 1991)

ثم تدعونا السيّدة العذراء إلى أن نبدأ بالنموّ في الصوم وعيش الصوم بداخلنا. تريد السيّدة العذراء من المؤمنين ألاّ يصوموا من الخارج فقط، بل أن يكون الصوم فعلاً داخليًّا. ولذا فهي تقول: صوموا من القلب.

"اليوم أدعوكم لتبدأوا الصيام من قلوبكم. كثيرٌ من الناس يصومون، ولكنّهم يفعلون ذلك لأنّ جميع الناس يصومون. وقد أصبح الصيام عادةً لا يريد أحدٌ أن يتخلّى عنها. فأرجو الرعيّة أن تصوم بدافع الشكران، لأنّ الله سمح لي بالبقاء بينكم لمدّة طويلة. فيا أولادي الأحبّة، صوموا وصلّوا من القلب. أشكركم على تلبيتكم ندائي." (20 أيلول 1984)

إليكم طريقتان للصوم:

أ) بدافع اتِّباع التقاليد

ب) من القلب

الصوم مسيرة، من التقليد إلى القلب.

من الخارج إلى داخلنا. لا يتعلّق الأمر فقط بالبقاء في الخارج، بل بالدخول إلى قلوبنا.

"فالآن، يقول الربّ: "ارجعوا إليّ بكلّ قلوبكم وبالصوم والبكاء والانتحاب. مزّقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الربّ إلهكم فإنّه حنون رحيم طويل الأناة كثير الرحمة ونادم على الشر." (يوء 2، 12- 13)

ليس الصوم فعل استحقاق أمام الله. لنتذكّر الفرّيسي الذي كان يصلّي في الهيكل ويصوم مرّتَين في الأسبوع. يقول يسوع إنّ صلاته وصومه لا قيمة لهما أمام الله. ليس الصوم صفة وراثة المزايا أمام الله. لا نصبح أفضل أو أعظم في نظر الله عندما نصوم. يهتمّ الله فقط بما يحدث فينا عندما نصوم. نؤكّد على الصوم حتّى يسمع الآخرون بذلك؟ لماذا يسوع ضدّ أن يعلم الآخرون أنّنا صائمون؟

 نحن لا نصوم حتّى نُرضي الآخرين.

يمكن استخدام الصوم حتّى نتمكّن من تغذية غرورنا وتقويته، ويجب أن نسير في الاتجاه المعاكس: لإضعاف غرورنا والتحرّر منه.

متى نصوم؟

تدعونا ملكة السلام إلى الصوم مرّتَين في الأسبوع، يومَي الأربعاء والجمعة.

العيش مع الخبز والماء

ليس الصوم مجرّد التخلّي عن شيء ما! الصوم هو العيش مع الخبز والماء. في أيّام الصوم أعيش بالخبز والماء. هذا هو طعامي الذي أعيش عليه.

القاعدة - إشرب الخبز وكُل الماء

عند تناول الخبز يجب أن نكسره ونأكله ببطء ونمضغه عدّة مرّات حتّى يتحوّل إلى سائل. عندما نشرب الماء، يجب أن نأخذ كلّ رشفةٍ ونشرب ببطء. المغزى هو تذوّق الخبز والماء. يمكن أن يتحوّل فعل أكل الخبز والماء إلى صلاة: يا يسوع، شكرًا لك ... يا يسوع، أنت خبز الحياة ...

البعد الجسدي للصوم

الصوم، كما يُفهم في المسيحيّة، يتعلّق بالإنسان كلّه - جسده ونفسه وروحه. إنّها عمليّة تبدأ من خارجنا ولكنّها لا تتوقّف هناك. هدفها تغيير قلوبنا وتعميق علاقتنا مع الله.

يبدو أنّ صوم الجسد هو تصحيح لطريقةٍ خاطئة في التغذية والنظام الغذائي. نظرًا لأنّ الكثيرين منّا يأكلون أكثر بثلثٍ ممّا نحتاج إليه حقًّا، فإنّ الصوم يكتشف الوزن الزائد الذي يثقّل كاهل أجسامنا. بسبب هذا الوزن الزائد، يعاني قلبنا، وكذلك أعضاء أخرى وينخفض جهاز المناعة لدينا. "يحدث هذا لكلّ شخصٍ يأكل بسرعة، فهؤلاء الناس لا يستطيعون معرفة كميّة الطعام التي تحتاجها أجسادهم، وهكذا ينقطع الاتصال داخلنا، لا يستطيع الجسم إرسال إشارات عندما لا يحتاج إلى المزيد من الطعام والشراب. هذه استجابةٌ واعية من أدمغتنا تفشل. يمكن أن يكون هذا قاتلاً لأيّ كائنٍ حيّ." (الأب "سلاﭬكو بارباريتش"، الأخوة الأصاغر)

بسبب السرعة في الأكل وأسباب كثيرة أخرى كثيرون يرهبون أجسادهم، لأنّهم لا يعرفون متى يقول الجسد: كفى! يستنتج الأب "سلاﭬكو": إن لم نتمكّن من سماع أجسادنا عندما نبالغ في الطعام، فكيف يمكننا سماع شخصٍ آخر؟

لا يعني هذا أن البدناء سيّئون، ولا النحيفين جيّدون، ولا السمنة عقبة أمام القداسة. على العكس، كان عدد كبير من القدّيسين يعاني من السمنة المفرطة.

تروي قصّة كيف اضطر الأخوة إلى نحت الطاولة حتّى يتمكّن أحد إخوانهم من الجلوس، وكان هذا القدّيس العظيم هو القدّيس توما الأكويني.

ومع ذلك، بغض النظر عن المزاج الجيّد للأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، يجب على المرء أن ينتبّهوا إلى الجسد الذي منحنا إيّاه خالقنا، والصوم هو أحد هذه الطرق. إلى جانب التخلّص من تلك الأشياء كلّها التي لا نحتاج إليها، فإنّ الصوم هو النظافة لأجسامنا بحيث يمكن تطهير الجسم من جميع السموم المتراكمة فيه. يقول مَثَلٌ صينيّ: "ربع الطعام لجسمك، ثلاثة أرباعه للطبيب!" ويقول مَثَلٌ آخر: "ليكن الطعام دواءك لا الدواء طعامك."

بالطبع، الجسد والروح مرتبطان ويؤثّر أحدهما على الآخر، لذلك يجب أن ننتبه جيّدًا إلى الطعام الذي نتناوله، وكذلك لحالة روحنا. عندما كان أحد الفرنسيسكان لدينا يحتفل بعيد ميلاده الـ106، سأله أحدهم عمَّا كان يأكله لإطالة عمره. فأجاب: "لا يتعلق الأمر بما تأكله، بل بما يأكلك."

ليس الهدف من الصوم فقط الامتناع عن الأكل والشرب. الامتناع هو البداية فقط ولكن الهدف هو تغيير داخلنا. وقد حذّر القدّيس يوحنا الذهبي الفم من هذا: "ليَصم لساننا عن الكلام البذيء والمؤذي، فما الفائدة إذا تجنّبنا أكل الدجاج والسمك من جهة، و«مضغنا» إخوتنا من جهةٍ أخرى."

كتب "جوزيف راتزينغر" (الذي أصبح لاحقًا البابا "بنديكتوس السادس عشر") أيضًا عن الصوم بدوافع أنانيّة: "الحقيقة هي أنّ الصوم اليوم مختلفٌ ويحدث لأسبابٍ مختلفة: طبيّة وجماليّة، وهذا أمرٌ جيّدٌ أيضًا. لكن هذا الصوم وحده لا يكفي الإنسان، والهدف من صومٍ كهذا يبقى هو ذاته. إنّ صومًا كهذا لا يحرّر الإنسان، ولكنّه موجود من أجله فقط."

مع الصوم، علينا الحرص على عدم التركيز على المظهر الخارجي، فهذا مثالٌ خاطئ. كمثالٍ، يعطينا يسوع هذه القصّة: "فانتصب الفرّيسي قائمًا يصلّي فيقول في نفسه: "اللهم، شكرًا لك لأنّي لست كسائر الناس السرّاقين الظالمين الفاسقين، ولا مثل هذا الجابي. إنّي أصوم مرّتَين في الأسبوع، وأؤدّي عشر كلّ ما أقتني." (لو 18، 11 - 12)

"في يومنا هذا، يبدو أنّ الصوم قد فقد شيئًا من معناه الروحي، واكتسب في ثقافةٍ تتميّز بالبحث عن الرفاهيّة الماديّة، قيمةً علاجيّة للعناية بالجسد. من المؤكّد أنّ الصوم يعود بالفائدة على الصحّة الجسديّة، ولكن بالنسبة إلى المؤمنين، فهو في المقام الأوّل "علاجٌ" لشفاء كلّ ما يمنعهم من الالتزام بمشيئة الله." (البابا "بنديكتوس السادس عشر".)

الصوم الكبير الذي أمامنا هو فرصةٌ لعيش الصوم كعلاج يوجّه نظرنا إلى الرب القائم من بين الأموات ويقرّبنا أكثر ويوافقنا مع محبّته.