تأمّل الصوم الثالث: الأب "ستانكو مابيتش"، الأخوة الأصاغر، يتحدّث عن الصحراء والهدوء والصمت

date: 15.03.2021.

'' نحن في زمن الصوم. عندما نقرأ القراءات الليتورجيّة، عندما نتأمّل، نصادف تأمّلات مختلفة تذكر كلمة الصحراء. قرّرت أن أشارككم تأمّلي حول الصحراء. هذه الكلمة، كلّما سمعناها، لها بعض الدلالات الغريبة بداخلها. نود الذهاب إلى تلك الصحراء، في رحلة سياحيّة، مجهّزة جيّدًا بالكثير من المشروبات المنعشة وكاميرا، ربّما في سيّارة مكيّفة وأمضينا يومين هناك. ومع ذلك، القليل يقرّرون الذهاب إلى الصوم حيث سيعيشون لسنوات عديدة ''، قال الأب "ستانكو مابيتش"، في بداية تأمّل الصوم الثالث.

في وقت الصوم هذا، تستعدّ رعيّة مديوغوريه ومركز المعلومات "سلام" مديوغوريه لتأمّلات الصوم أيّام الأربعاء. نبثّ هذه التأمّلات كل أربعاء بعد برنامج الصلاة المسائي وقد ألقاهما الفرنسيسكان الأب "مارينكو شاكوتا" والأب "ستانكو مابيتش" والأب "أنتي ﭬوتشكوﭬيتش".

قال الأب "ستانكو مابيتش" في تأمّله إنّه كلّما قرأ نصوصًا إنجيليّة عن القديس يوحنّا المعمدان الذي أمضى 15 عامًا في الصحراء، أو عن البعض الآخر، فإنّ أوّل اتحاد له هو الهدوء.

الهدوء والإنسان وحيدان، لا أحد من حولهما. في الليل لا يسمع شيئًا، ولا حتّى صوته ولا صوت الآخرين. لكن هذا الهدوء في الصحراء ليس دائمًا الصمت. يمكن أن يكون الهدوء شرطًا للصمت، لكن الصمت يحدث في قلب المرء. إنّه شيء مختلف. الصمت الذي نتوق إليه ليس في الصحراء ولا حتّى في الأديرة. يمكننا حتّى الذهاب إلى تلك الأديرة حيث يصمت الرهبان معظم الوقت، أو إلى مكان آخر، نعم الصحراء أو الصمت موجودان في قلوبنا. نلتقي بالله في صمت قلوبنا. الصحراء تقودنا إلى الصمت. والصمت يقودنا إلى أعمق علاقة حميمة مع الله. لا يجب أن تكون الصحراء والصمت والعزلة وجهات جغرافية مثل الصحراء، أو صحراء يهودا أو مصر... لا يتعلّق الأمر بالمكان، بل هو حالة الصمت في أذهاننا وفي قلوبنا، كما يقول الأب "ستانكو مابيتش" ويعطينا مثال القدّيس أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان، الذي قضى كل حياته في الصحراء وقال: "إن من يذهب إلى الصحراء للحفاظ على السلام مع الله يتحرّر من ثلاث حروب، حرب الاستماع وحرب المشاهدة وحرب الكلام. لم يبق سوى حرب واحدة - حرب القلب ."

"الحرب في قلوبنا، بمعنى أن العزلة لا تكفي، ولا يكفي أن نذهب إلى الصحراء حيث يسود الصمت حولنا، لكنّنا نحتاج إلى محاولة تحقيق الصمت في قلوبنا. هذه هي ساحة معركتنا الرئيسيّة، حيث تدور الحرب، لكن الصمت الخارجي ضروري للانتصار في الحرب من أجل الصمت في قلوبنا. لذا، فإن العزلة والصمت الخارجي لا يكفيان. نحتاج أن نسمح لأشعّة الإنجيل أن تتألّق في داخلنا بأشعّة الحب غير المشروط، بأشعّة صامتة عن حضور الله، لأنّ الله يسكن في صمت قلوبنا. إنّ العيش في الصحراء لا يعني فقط أن تكون بلا بشر، بل أن تعيش مع الله ومن أجل الله. أولئك الذين يعيشون مع الله ليسوا وحدهم أبدًا، حتّى عندما يكونون بمفردهم. القلب الذي يسكن في الصمت هو القلب الممتلئ بالحب في نفس الوقت. الآب السماوي يتوقّع أطفاله في قلوبهم، ليس في بعض الأماكن البعيدة، سواء كانت الصحراء أو البحر أو سوق المدينة "، يقول الأب ستانكو ويشير مرّة أخرى إلى الكتاب المقدّس الذي يؤكّد أنّه لم يقابل نبي واحد الله إلا إذا كان في عزلة وهدوء، غالبًا في الصحراء.

''اختبار الله لا ينفصل عن تجربة الصحراء. تبدأ الأشياء العظيمة في الصحراء، في الصمت والعزلة. دعونا نأخذ صورة خلق العالم. دعونا نحاول أن نتخيّل كيف حدث ذلك. نقرأ في الصفحات الأولى من الكتاب المقدّس كيف كانت الرياح العاتية تجتاح المياه، والظلام فوق الهاوية (تكوين 1، 4). عندما أتأمّل في هذا، أشعر أن هذا حدث في هدوء تام. قال الله بكلمة فقط: "ليكن هناك!" ويحدث - ينفصل الظلام عن النور،" كما يقول الأب "ستانكو مابيتش"، وبعد صورة الخلق هذه، ذكر أمثلة إنجيليّة أخرى للصمت والصحراء مسمّياً الله صديق الصمت.

عندما أرسل الله ابنه إلى العالم، عندما وُلد ابن الله، انتهى الصمت أيضًا. ولد خارج بيت لحم، في كهف، في منتصف الليل. أرسل الله إبراهيم إلى أرض الميعاد باللبن والعسل إلى اليهوديّة، وهذه المنطقة هي في معظمها صحراء. عندما أخرج الله شعبه من العبوديّة المصريّة، فهذا هو المكان الذي يتم فيه تطهير الإنسان، جاءت كلمة الله إلى يوحنا المعمدان الذي كان في الصحراء لأكثر من 15 عامًا، وكان يعدّ قلبه. يتحدّث الأب ستانكو عن كيفيّة ظهور الملاك جبرائيل لمريم، لكنّنا نعلم أنّها سمعته، ولا نعرف إن كانت قد رأته، ولكي تسمعه، كان لا بدّ من وجود الصمت في قلبها وحولها وفي أفكارها. قال هذا الملاك نفسه لزكريّا إن امرأته ستلد ولداً. لكنّ زكريا لم يسمع فقط صوت ملاك.

"سمع أصواتًا كثيرة في قلبه فثار الشك فيه، فكان إيمانه ضعيفًا. لهذا قال له الملاك: الآن ستكون عاجزًا عن الكلام ولن تكون قادرًا على الكلام لمدّة تسعة أشهر (لوقا 1، 20). في البداية بدا أن الملاك عاقبه، لكنّه لم يفعل. كافأه الملاك وأعطاه نعمة. تسعة أشهر من الصحراء، تسعة أشهر من الصمت وفي ذلك الوقت، غير قادر على الكلام، أنا متأكّد من أنّه كان يتأمّل كل يوم في تلك الكلمات التي أرسلها الله له من خلال الملاك جبرائيل '' ، قال الأب "ستانكو مابيتش" في تأمّله ثم شارك مثال القديس يوسف، زوج مريم.

لم يذكر الكتاب المقدّس كلمة واحدة قالها. كان صامتًا، يعيش في عزلة وهدوء. لا بدّ أن يكون قد تم تحديده مسبقًا منذ الولادة ليكون الشخص الذي سيهتم بابن الله. يوسف هذا يُدعى "بارًّا" (مت 1، 19). لم يكن ليُدعى هكذا لو أمضى وقته في التسلية. ومع ذلك، كان صامتًا ومجتهدًا في عمله، وكانت ورشته صحراءه حيث مدح الرب في أفعاله، وفي ذلك الصمت سمع صوت ملاك. كان في حلمه: "يوسف، خذ الطفل وأمّه..." (مت 2، 13) تكلّم الله معه لأنّ قلبه كان يستمع في الصمت وكان قادرًا على الإجابة. لو كان هناك ضوضاء في قلبه، وأفكار أخرى متنوّعة، فستكون هناك أيضًا مجادلات ولن يكون قادرًا على الاستماع على الفور''، قال الأب ستانكو وشرح كيف أن يسوع، بينما كان ينتظر الإدانة في محكمة بيلاطس، كان صامتًا معظم الوقت. لماذا كان صامتا؟ الصمت جزء من إعلان ملكوت الله. كانت النخبة اليهوديّة والرومانيّة بأكملها موجودة هناك، جميع رؤساء الكهنة والكتبة وبيلاطس البنطي، كان بإمكانه التكلّم، لكنّه كان صامتًا. ليس فقط أنّه لم يتكلّم من الخارج، بل كان صامتًا في قلبه أيضًا. ليس هذا الصمت الذي يمنع الانتقام والكراهية والغمغمة بل هو الصمت الذي يحب. هذا الصمت قادر على قول أكثر من الكلمات المحكيّة. ثم أعطى الأب ستانكو أمثلة عن القدّيس بولس والقديس فرنسيس اللذين كانا قادرين على سماع صوت يسوع فقط عندما لم يعد هناك ضوضاء في قلبيهما.

فالصحراء والعزلة والصمت كلّها ضروريّة لنا حتى نتمكّن من الدخول إلى باطننا لمواجهة ما في داخلنا. الجزء المهم من اللقاء مع الله هو فينا، في حجرة روحنا الداخليّة، والصلاة الصادقة هي أيضًا لقاء مع الله. هناك غرف مختلفة في قلوبنا، حيث نرغب في لقاء الله في صمت. يقول يسوع: اذهب إلى حجرتك الداخليّة (متى 6: 6)، في صمت وعزلة، ولكن هناك العديد من الغرف في داخلنا. لدينا غرفة ترفيه وغرفة تسوّق وغرفة نشاطات وغرفة قلق مضطربة، ولكن هناك غرفة للصمت أيضًا ... هذه هي الغرفة التي يسكن فيها ربّنا. يجب أن نتجنّب الكثير من الغرف ونصل إلى أعمق جزء من قلبنا حيث نجد غرفة الصمت. يجب أن نصل إلى تلك الغرفة، لأنّ الرب ينتظرنا هناك، وفي هذا الصمت، سنجد ربنا هناك. هناك يأتي الإنسان أمام إلهه، راغبًا في أن تكون له علاقة حب حميمة معه.

لسنا قادرين على اختراق الأجزاء الأكثر حميميّة في سر الله بالكلمات، ولكن فقط في الصمت والهدوء. يجب أن ندخل إلى داخل أنفسنا من خلال فتح مساحتنا أمام حضور الله، لأن الله بالفعل يسمع قلوبنا وليس كلماتنا. بعض الناس لا يجيدون الكلمات على الإطلاق، لكن هذا ليس ما يهتم به الله. يسمع قلوبنا. قال موسى للرب: أنا ثقيل الكلام واللسان. (خروج 4: 10). هذا ليس مهمًّا بالنسبة لله على الإطلاق. إذا بدأنا، في كلام بطيء، بقول كل تلك الأشياء التي سمعناها من الله في صمت، فسيستمع الجميع إلينا. إذا كانت لدينا قدرة بلاغيّة عظيمة، ولا يوجد إله في قلوبنا، فلن نلمس أحداً. اعتادت القديسة تريز أن تقول: "الصلاة الداخلية التي تتم في صمت، في صحراء قلوبنا لا تتعلق بالكثير من التأمل، بل تتعلّق بالكثير من الحب"، قال الأب "ستانكو مابيتش" الذي أنهى تأمّله بكلمات الملك اليهودي سليمان عندما صلّى من أجل الحكمة: "يا رب ، امنح عبدك قلبًا سامًعا ، قلبًا يمكن أن يصمت ويسمع كلمتك".

تأمّل الصوم الكامل للأب "ستانكو مابيتش" موضوعه الصحراء، شاهده هنا